وهنا يشير الشاعر إلى الجزر الثلاث التي مازالت قضيتها عصّية بين الامارات وايران، ويرتبط النصر المادي بنصر سياسي في قصيدة الشاعر
محمد راضي جعفر التي جسد فيها فكرة انتصار التأميم حيث وادي العقيق الذي اشرنا اليه في الفصل الاول(1). وحين نذكر السجون والمنافي فالفاو من مناطق البصرة التي كانت منفى يحجز فيها السياسيون والمناضلون ابان الاربعينات وقد اشار الشاعر محمد صالح بحر العلوم إلى ذلك مبينا موقع الفاو كمنفى سياسي في قوله:
فئة تابعت هواها وراحت تخـدم الانكليـز في مسعاها
وتزّج الاحرار في الفـاو والسلمان منعاً لثورة تخشاها
وتناست ان اشتداد المآسي يهـب الشعـب يقظة وانتباها
بشروها ان الصباح قريب وعلى فجـره زوال دجاها(2)
ونرى بوضوح ما اراده الشاعر من تلك الاشارات وهو يكتب تلك القصيدة في الخمسينات، فان الفاو ونقرة السلمان سجنان للمناضلين الذين يقفون بصدورهم متحدّين الغزاة الانكليز. وقد افصح الشاعر زهير غازي زاهد في قصيدته الفقر وبيّن فيها اهم قوى الاصلاح ووقود الثورة، فالشاعر يؤمن بقدارت الانسان في متابعة مصيره وتحقيق رغباته ...
فيـا قدّس الله تـلك الزنـود ويا خلـّد الحـق ذاك الندا
وبصرة عبر العصور تلظت من نـار رومـة فيها جذى
فصبّوا على ارؤوس الظالمين شواظا وموتا على من عتا(4)
وقد يأتي مضمون الجانب السياسي غير ظاهر ولم يذكر فيه اسم البصرة وانما يُلمح الى بعض المواقف التي تتعرض لها المدينة وهذا ما لمسناه في قصيدة للشاعر هادي عودة شاوردي تحت عنوان تحريض ..
انت ايها الطفل ماذا ستفعل لو صرت طيرا
... قلت سآوي الى نخلة من نخيل الفرات(5)
وللشاعر هادي ياسين علي قصيدة بعنوان (الرفض) يشير فيها من طرف خفي الى البصرة ويخاطبها – ياسيدتي-
هل تسمح سيدتي ان امسح جبهتها الحرّى
وان اقرأ في حضرتها
الشعر المكتوب على افخاذ الخيل
هل تسمح ان ادخل حجرتها الليلة محتميا
من عين العار واقضي الليل
هل انت المحكوم عليك بان ترعى الابل(1)
ونلمح جليا ذلك الموقف الذي تكشفه تساؤلاته في قوله – المحكوم عليك - .
4- السياق الذاتي ضمن عاطفة وذكرى
ليس من غايات البحث الحديث عن المرأة ولكن لابد من ذكر بعض المواقف الذاتية التي تحدثت عن تجربة حب او علاقة بين شخص بصري مع امرأة ما، شرطاً ان تكون البصرة حاضرة لفظا ومضمونا ضمن هذا السياق، والحقيقة التي يجب ان نقولها ان الشواهد في هذا الخصوص قليلة، ولم نجد اسم البصرة الا رمزاً سنأتي على تحليله في الفصل الثالث، وقد لا يسمى الشاعر البصرة بل يكتفي بتحديد سكن أحبته في البصرة، فالشاعر مسلم الجابري يشير إلى ديار احبته ويريد البصرة(2).
ومن بين السياقات الذاتية قصيدة للشاعر عبد الجبار البصري يحكي بها علاقته الدافئة ومواقفه مع امرأة بأسلوب قصصي مشوق:
الى العشـار نـادت كالطيور بصــوت ناعمٍ عذبٍ نميرٍ
فتحت الباب فأندفعت ضحوكا وافعم مهجتي خيط الحرير(3)
وقد اشار الشاعر محمد راضي جعفر الى الموال البصري وهو يتحدث عن لقاء عابر مع إمرأة جرى بينها وبينه حوار وهي تسأله عن مدينته حين كان مسافرا:
صوتك الساحر موال من الشرق
احقا انّما الموّال بصري
وما ثمة موّال من البصرة
قل انك من بغداد، آه يا إمرأة لم تجذبي
غير مهزوم امام اللغة الاخرى
وقد لا يعرف السياح ان الشاعر البصري مهزوم(4)
ولهذا اللقاء تكملة لا ينسى فيها الشاعر اسم البصرة والنخلة، مثيل قوله:
ربما يا نخلة المرسى التقينا صدفة
لكنك النخلة في قلبي
وما البصرة الا فيك وهج امرأة عاشقة
ومن القصائد الذاتية التي ارتبطت بالبصرة واهلها قصيدة للشاعر رشيد مجيد والتي اهداها للشاعرة نهال حسن العبيدي، مبينا لها ذلك الاعتزاز بالمرأة البصرية ومركزا على صوتها البصري المميز ...
ونهال ما برحت ترنيمة عذرية
ورنين قافية وشوق وابتهال
ورفيف اشرعة مباركة يطوف على مراسيها الخيال
ويلملم الليل الجنوبي اختلاجة صوتك البصري(1)
5- سياق رثاء شخصية السياب
في هذا السياق الحزين تكاثفت قصائد الشعراء من البصرة وغيرهم وكلها طافحة بالاسى واللوعة، ترثي بدراً وتبكيه بكاءا حارا، وقد قدمنا في اسباب الكتابة عن البصرة هذا السياق واحدا من اهم الاسباب، ونؤكد عليه ضمن هذا المبحث، لان اسم البصرة اقترن مع ذكر السياب، واذا ما غاب اسم البصرة فان جيكور وبويب لا تغيبان في مراثي السياب، لان المكانين المذكورين من مواقع البصرة المهمة فلابد ان نعتبرهما ضمن هذا السياق مع تأكيدنا على ان القصائد التي رثت السياب كثيرة(2) ولن نذكر قصائد البصريين في رثاء شاعرهم بل نكتفي بقصائد غير البصريين محللين ما يرتبط بهذا السياق من مضامين .. فالشاعر انور خليل من ميسان يسمي السياب (هزار البصرة) المغرد الذي سكت الى الابد
جيكور بعدك في عذاب تبكيك يا زين الشباب
يابدر ان ابا الخصيب مناحة في كل باب(3)
وللشاعر حسين جليل تساؤلات عن بدر ومنزله جيكور وحبيبته وفيقة
يا نبع بدر يا هواه ويا معابده الغريقة
يا وجه غيلان ويا قمر تسامره وفيقة(4)
ويصفه الشاعر سلمان هادي الطعمة (البدر الآفل)(1) وفي قصيدة الشاعر محمد علي الخفاجي (الراحل الغريب)(2) ويخاطب بها نخل جيكور الحزين الذي يشاركه وحشته قائلاً:
نخل جيكور غاب بدرك بدرا وهو لمّا يزل بعرس شبابه
وهكذا اصبح السياب مدخلاً ومنهجاً شعرياً يبدأون به قصائدهم كما تبدأ القصيدة الجاهلية بالطلل.