ضياء الدين الخاقاني
1933 المحمرة-2006 النجف الاشرف
على ثِقةٍ بالنصرِ والحرْبُ تسْعُرُ ... زحفتِ وفي عينيْكِ للسلمِ أسْطرُ
وكلّ جنانٍ مثل روحكِ في الهوى ... اِذا ربْعُ في أحلامِهِ يتأثّرُ
أيا أصل آلافِ السنينِ فلمْ يكُن ... عجيباً بأنْ يحلو لعينيْكِ معْبَرُ
وهبْتِ لعشّاقِ الظلامِ ابْتسامةً ... لعلْمكِ أنَّ الأبْتسامةَ تثمِرُ
تسايرَ مِن أيامِ حيْدرَ ركبُنا ... قديماً وجئتُ اليومَ أحنو وأسْهرُ
توهّجتُ حبّاً والمحبّ عيونُهُ ... واِحساسُهُ الآنَ وعْيٌ تصَوّرُ
ولمْ أَتَمَنّ المسْتحيلَ واِنّما ... وهبْتُ وطبْعُ الواهبينَ التصوّرُ
توالدْتُ حرّاً في الحياةِ وطالما ... وعى الحرّ ما يومي اليهِ المؤشِّرُ
فيا نبتةً من ماء نهرينِ طينُها ... زكيّةَ أعراقٍ لها الخيرُ مصْدرُ
روافدُ كان النورُ بعض عطائِها ... ففاض لها ممّا احْتوى النورُ أبْحُرُ
روافدُ تسْقي الروحَ في كلِّ مُجْدبٍ ... وتمْسَحُ وجْهَ الداجياتِ فتقمرُ
ترعرعتُ في أكنافِها فعشِقتُها ... وعشتُ هواها وهْيَ تحنو وتكْبُرُ
الى أنْ زرعْتُ الليلَ من لفتاتها ... شموساً لها في كلِّ عيْنٍ تنوِّرُ
فكلّ ربى الفيْحاءِ كانت منائراً ... تطوّقها من نبعِ كارونَ أنهُرُ
وكلّ شهابٍ في الخليج اِذا اعْتلى ... جلاه عراقُ المُطلعاتِ فيسْعرُ
وشاهدُ ايماني بما قلتُ اِنّني ... أقولُ وقولُ الحقّ يحْلو ويسْحِرُ
وفي الصدْرِ لولا يوم لقياكِ نقمة ... على الأمْسِ لكنّ اللسانَ مخدّرُ
ولا عذرَ بعْدَ اليوم فالورْدُ نبْعُهُ ... اِذا اقتطعوا أوصالها تتعَطّرُ
********
سلامٌ على الفيْحاءِ هلْ ظمّ صدْرُها ... على غيْرِ معدودٍ به الشطّ يفخرُ
سلامٌ على أبنائها ما تباعدوا ... وما اقترّبوا فالحبّ أقوى وأقدَرُ
همُ الصفوَةُ الواعونَ مهما تعكّرتْ ... سماءٌ فاِنّ الوعيَ يسْمو ويغمِرُ
خلاصَة أجيالٍ همُ الثورةُ التي ... أطلّتْ سحاباً فوق نهرينِ تمطِرُ
على غيْرِ ميْعادٍ سقوا ترْبةَ الحِمى ... دماً شلّ من أعدائها فتقهْقروا
أطاحوا بناءَ الواهمينَ بصحْوةٍ ... أعادوا لها الفجرَ الذي كاد يُقبَرُ
ولمّا أدار اليأسُ حربَ اسْتِكانةٍ ... وطوّقَ مسْرانا بما كان يَحْذرُ
تدفّقَ شط العرْبِ بالعمقِ صارخاَ: ... دنى الركْبُ من ليلى فيا قوميَ اعْبروا
فما هِيَ اِلّا ليلة ثمّ تنجَلي ... عليْها من العقبى شموسُ تنَوِّرُ
وهيهات أن ينسى مناياهُ يعْرُبٌ ... وهيْهاتَ أن لايُنجِبَ الشعبَ حيْدرُ
وماالسلْمُ اِلّا يقظة وانتفاظة ... يطيبُ به بعد الحروبِ التندّرُ
اِذا كانَ مِلْؤُ الكأسِ دمعاً فأنّنا ... نقولُ ومَنْ لا يدْرِكُ القولَ يُعْذرُ
ونحنُ هنا والسيلُ يعْرِفُ بصْرة ... يدافعُها المجْرى فلا تتكسّرُ
على جنبِ هذا الشطّ أرواحُنا لهُ ... فداءٌ وفي أعماقِنا منه منظرُ
نطارحُ بلوانا فتستلّ حبّها ... قلوبٌ هو اليومُ الطريقُ المقرّرُ
نصون بقايا محْتَدٍ قد تماسَكَتْ ... لأنّ معانيها أجلّ وأوقرُ
بقايا كنوزٍ كان يمْلؤها السنا ... اِذا لمْ تجدْ حرّاسَها تتبخّرُ
أمانة أجيالٍ وبقيا حضارةٍ ... من الظلمِ أن لا تُقتنى وتُعَمَّرُ
ولابدّ أن تبْقى فللنور صولةٌ ... وفجْرٌ يميْتُ الليلَ لابدّ يُذكَرُ
هنالِكَ ينسى الضيْمَ كلُّ مُلَوعٍ ... هنالكَ حتى الصخرُ كالناسِ يشعُرُ
هنالك حتى الصوتُ يدنو بعيدِهِ ... ويصْرَخُ حتى الطفل يا أهليَ اصْبروا
********
شواطي خليج العربِ ندْهِنُ جرْحها ... مراهمُ صغناها من التمرِ تثمِرُ
ليمْتَدّ حتى للمحيطِ نجيعُها ... الى امّةٍ ساق النهوض محرّرُ
لننسى القذى في العين من أقربِ الأِخا ... ومن شِيم الأحرار بالعفو يفخروا
قرابة دين او قرابة دمّهِ ... وأني فما اسْتثنيْتُ ياليت يشعُروا
فيا كبدي مَهْلاً بعاشقِ بصْرةٍ ... فعاشق فيْحاءِ العراق يُعَمِّرُ
.......................
*ديوان : من وحي العراق / قصيدة: فيا كبدي مَهْلاً بعاشقِ بصْرةٍ الاديب العلامة المرحوم ضياء الدين الخاقاني 1933 المحمرة- النجف الاشرف 2008