قراطيس ادباء البصرة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


ثقافي ادبي يجمع نتاج الشعراء والادباء العراقيين والعرب
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخولمن نحناتصل بنامجلة بصرياثا

 

 محمد خضير: مجنون الأبجدية وصانع الحكايات

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
admin
Admin
admin


عدد الرسائل : 74
تاريخ التسجيل : 13/03/2008

محمد خضير: مجنون الأبجدية وصانع الحكايات Empty
مُساهمةموضوع: محمد خضير: مجنون الأبجدية وصانع الحكايات   محمد خضير: مجنون الأبجدية وصانع الحكايات Icon_minitimeالسبت نوفمبر 22, 2008 5:08 am

د.علي عبد الأمير صالح

يشكل أدب محمد خضير ظاهرةً فريدةً في أدبنا العراقي المعاصر, ليس بسبب كون هذا الكاتب البصري واحداً من ألمع القصاصين العراقيين والعرب بل لأنه مجنون الأبجدية وصانع الحكايات, أو مخترع الحكايات, إذا استخدمنا تعبير غابرييل غارسيا ماركيز...‏

ولأن محمد خضير رجل دؤوب وصموت في آن, فقد عكف على القراءة والدراسة العميقة والبحث عن كل ما هو جديد وخارج المألوف.. واستطاعتْ أعماله السردية أن تتكامل في الإقناع بتجاوزها لمقولات الجنس الأدبي المحدد, وبتأصيل وبلورة شكل القصة القصيرة في الاتجاه الفني والفكري الحديث, منفتحةً على مختلف الأشكال التعبيرية ذات العلاقة بالنص السردي, مثل الشعر والأسطورة والرواية وأشكال الحكي التراثي والشعبي..‏

أن محمد خضير, شأنه شأن بورفيس, لا يفتخر بما دوّنه خلال سني حياته, بل يفتخر بما قرأه قراءةً عميقةً, لأن كل قراءة جديدة هي إعادة إنتاج للنص وصورة أخرى لرؤيا الكاتب.. وسواء كتب محمد خضير هذا اللون من الأدب أو سواه, فهو يكتب أدباً متميزاً, رفيعاً, بحيث أنكَ خلال قراءاتك لقصصه ودراسته تكتشف أنه يتعذر إحلال كلمةً محل أخرى لفرط دقتها وتأديتها المعنى الذي قصدته على وجهه الصحيح.. هذا الكاتب البصري لا يكتب تلك الكتابة سريعة العطب, سريعة التهافت التي سادت كثيراً في السنوات الخيرة وصارتْ آفةً مستشريةً في أدبنا العراقي والعربي على حدٍ سواء, بل يتوقف كثيراً عند كل كلمة يخطها قلمهُ, يتأملها, قبل أن يتجاوزها ليكتب كلمةً أخرى في سياق مشروعه السردي, أو النقدي... ذلك أن خضير كتب القصة القصيرة والرواية والدراسة النقدية والمقالة الأدبية.‏

فبينما يسعى بعض الكتاب إلى الشهرة بلا رصيد إبداعي يواصل محمد خضير عمله الهادىء الدؤوب وتأملاتِه ليخترع لنا الحكايات ويقذفنا مرةً واحدةً في فرن عذاباته ـ وهو الذي عاش ثلاثَ حروب مدمرة ـ ذلك أن محمد خضير يكتب في غرفته الكائنة على السطح, فوق المطبخ... ولأن هذه الغرفة بين نارين, الشمس والمطبخ, فإنها تتحول في الصيف إلى فرن تنضج فيه القصص أو تشوى شياً أو تطرق طرقاً... هكذا يكتب القاص في مقدمة مجموعته الثانية "في درجة 45 مئوي"..‏

أن لغة محمد خضير غنية, ثرة, مليئة بالإيحاءات والاستعارات والرموز, وجملة مترعة بالتوصيف الشعري الجميل... في (بصرياتا) كتابه الصادر عن دار (الأمد) و(المدى) يقول: "الصحراء كتاب قديم سارتْ عليه الأصابع وهرأتْ أوراقُه بعد أن حفرتْ الأقلامُ متونه" ص91.. و"رسم السجين خريطة الفرار على جلد قرية ماء فارغة ناسخاً طبوغرافية الخوف بطبوغرافية الحرية".. وهكذا تدخل لغة النثر في فضاء الشعر.‏

والآن لتعرّج على مجموعته القصصية "رؤيا خريف" الصادرة عن دار "أزمنة" لنقرأ في قصته "داما, دامي, دامو" ص67 ما يلي.‏

"انهمر النرجسُ الأبيض على صحن فتاتي الأسود, وغيبنا عن دنيانا أريج القيصوم الهاب من كل ناحية, ثم أزاح النومُ اللثامَ عن خدود وثغور ونحور يقودها ربانية الداما كالسبايا, كن يغبن في جب الحديقة, حين هزني نشيج هزار, أم كأن هذا بكاء فتاتي؟".‏

ويقول في ص68 على لسان بطلة القصة: "لو لم تكنْ عطاراً من عطاري اللعبة لاعتبرتك دجالاً, لن نغير شيئاً من مصيرنا لو أخفينا حقيقة شخصياتنا, لقد اخترقتْ اللعبة ألبابنا, أحرقتْ جسورنا, محتْ أسماءنا, استعبدتنا اللعبة ليستْ خارجنا. أن الأحجار هناك تمهد لسجننا. تحطم عظامنا. تمتص عصير شبابنا".‏

يتمتع محمد خضير بموهبة استثنائية وثقافة واسعة وأفق شاسع.. وهو في كل عمل أدبي له يفتش عن لغة جديدة وأسلوب جديد بعيداً عن التقريرية والمباشرة..‏

ففي كتابه "بصريانا: صورة مدينة" يستفيد من كتب الجغرافية, والتاريخ, والشعر, والأدب, وما هو موروث في اللغة المحكية... كما أنه يضمن كثيراً من اللوحات التشكيلية في نصوصه السردية.. وهو لا يستحضرها لمجرد الاستعراض الشكلي ـ الخارجي... أن اللوحات التشكيلية التي يوردها الكاتب في نصوصه تلعب دوراً جوهرياً في حبكته القصصية. ففي فصل "الزبير: عين الجمل" ـ من كتابه هذا ضمّن الكاتب سرداً عن لوحات تشكيلية منها لوحات الرسام بروجل, حيث يقول عنها: "في اللوحة ثلاثة أعراب ملثمين يمتطون الخيول, تحني الآماد المبسوطة هاماتهم, ويخلو كل رأس إلى خاطره, فارسان متجاوران في المقدمة, يسند أحدهما رمحاً طويلاً إلى كتفه, يتبعها ثالث مشتمل بطيلسان أحمر يغطي رأسه وجسمه ويتهدل على جانبي فرسه" ـ ص 97.‏

وفي قصة "الصرخة" في مجموعته القصصية "في درجة 45 مئوي" يصف لنا خضير لوحة "ساحرة الأغاني" لـ هنري روسو قائلاً أنها رُسمتْ على الجانب الأيمن من صندوق سيارة السيرك... يصفها لنا في (27) سطراً و(220) كلمة... وأننا خلال قراءة هذه القصة نشعر أن هذه اللوحة لم تنقلْ عن لوحة هنري روسو, بل أنها رُسمتْ من قبل محمد خضير نفسه.. أو ربما يدور في خلدنا أن محمد خضير أعاد اكتشاف لوحة (ساحرة الأفاعي) وهي لوحة شهير من لوحات الرسام الفرنسي, وبعث فيها الحياة من جديد.. أن هذه اللوحة المرسومة على الجانب الأيمن من صندوق السيرك المحمّل بالقرود ليستْ زخرفاً شكلياً شاءتْ ثقافة خضير أن تستنجد بها أو تستحضرها لتصبح جزءاً لا يتجزأ من بنية السرد... أنه لا يقدّمها, أي بمعنى لا يصفها بصيغة الماضي, بل بصيغة الفعل المضارع ليمنحها صفة الاستمرارية والحياة.‏

في معظم كتاباته لا يستطيع الكاتب البصري أن يخفي ولعه بالفن التشكيلي. وربما يبدو ذلك أكثر وضوحاً في روايته الموسومة "كراسة كانون" ـ حيث يتحدث القاص عن رسامين عالميين أمثال غويا, بيكاسو, هنري مور, جروترودشتاين, وعن لوحات شهيرة مثل "غورينكا" و"فتيات أفينيون", "المستحمات", "مجزرة في كوريا", "الإمرأة الباكية".‏

في هذا العمل السردي ثمة تناصات كثيرة مع لوحات ومحفورات فنانين عالميين أوردناهم أعلاه... لا بل أنه يطابق بين وقائع حياتهم العراقيين.. ففي الساعة الثانية صباحاً أسلم غويا روحه الوحيدة إلى أطياف الموت... أجل, غويا, هو الذي ودع عالم (المايات) الجميلات في الساعة نفسها التي قصفتْ بها الطائرات مدينة بغداد بالقنابل العام 1991..‏

إن محمد خضير, كما أسلفنا, يهتم اهتماماً كبيراً وواضحاً بالفنون التشكيلية وبحياة الرسامين والنحاتين.. ويقارن بين مهنة الكتابة ومهنة الرسم.. ويقتبس من جروترودشتاين قولها إن الكاتب يرى نفسه موجوداً بمفرده داخل نفس, ولا يعيش في انعكاسات كتبه.. أما الرسام فيرى نفسه انعكاساً للأشياء التي وضعها في رسومه, ولكي يكون قادراً على الرسم يجب أن يحقق الرسم أولاً.. لهذا فإن أنا الرسام ليستْ هي أنا الكاتب أبداً, وأفكار الرسام الأدبية ليستْ هي أفكار الكاتب الأدبية.‏

لم تكنْ قراءة محمد خضير للواقع العراقي ـ كما يشير إلى ذلك الناقد الدكتور شجاع العاني ـ قراءةً أفقية بل قراءة أفقية وعمودية معاً... ومن خلال العابر واليومي والمألوف, سيحفر النص القصصي ليصل إلى العمق البئري لهذا الواقع حيث توق الإنسان وأشواقه, وهمومه الأزلية... وسيصبح هذا الواقعي اليومي المألوف, حيث يأسره النص القصصي, واقعاً آخر, تخرج فيه الأشياء من متوالياتها في الواقع لتدخل متواليةً أخرى هي متوالية النص القصصي الذي يقوم على تغريب هذه الأشياء, بحيث لا يعود هذا النص مجرد استنساخ لهذا الواقع أو رصد سطحي له, بل تغريب له.. (قراءات في الأدب والنقد ـ الدكتور شجاع العاني ـ ص95).‏

استخدام محمد خضير التوليف السينمي في قصصه بصورة واسعة ولجأ إلى تضمين بعض قصصه نصوصاً أو لقطات سيمنية, وتشكل قصة "حكاية الموقد" مثلاً جيداً على استخدام القاص لتقنيات السرد الفيلمي, ولاسيما التوليف التناوبي, ونسق التناوب من الأنساق المعروفة قديماً في بناء الحكاية.‏

ومما يلاحظه القارىء في بعض قصص "المملكة السوداء" هو هيمنة موضوعة الغياب كما هو واضح في قصة "حكاية الموقد", "الأرجوحة", و"التابوت".‏

ونستنتج من خلال قراءاتنا لنصوصه إننا إزاء قصص جديدة مليئة بالدلالات والإيحاءات والرموز مما تستدعي قراءات عديدة وتأويلات عديدة... وإن التناصات الموجودة في كتابات محمد خضير لا تقتصر على النصوص الأدبية العالمية بل تتعداها إلى نصوص من الفنون التشكيلية والسينمائية.. فالمرأة الملثمة في قصة "القطارات الليلية" تذكرنا بتلك المرأة التي مثلتْ دورها صوفيا لورين في فيلم دي سيكا "زهرة عباد الشمس" التي تأتي بصورة زوجها الغائب ويسأل الجنود العائدين من الجبهة ما إذا كانوا قد صادفوه يوماً أو عرفوه شيئاً عنه...‏

أن محمد خضير شأنه شأن أفلاطون, وتوماس مور, وجورج أورويل, وهيرمان هيسه يرمم لنا مدينة "فاضلة" ينعم فيها الإنسان بالعدالة والسعادة, والسكينة الأزلية.. كان لابد للإنسان بعد الخروج الإجباري الأول من الفردوس الإلهي أن يتبع رؤياه التي تخرج من يوتوبيا لتدخل يوتوبيا مضادة, تلك اليوتوبيا التي يقول عنها غابرييل غارسيا ماركيز سيكون مستحيلاً على أي كان أن يختار للآخرين حتى شكل موتهم, وتحصل فيها السلالات المحكومة بمائة عام من العزلة على فرصة ثانية على الأرض وإلى الأبد...‏

اتخذ محمد خضير من مدينته البصرة, أو بصرياتا, بحسب اسمها الآرامي, مكاناً للعديد من نصوصه السردية.. كما حوّلها إلى مدينة فاضلة.. فهي لم تعدْ تلك المدينة التي يعرفها كل إنسان, بل مدينة الحلم, مدينة التخيل.. التي يتمنى كاتبنا أن يراها وقد تحوّلتْ إلى مدينة الحقيقة.. مدينة الوحدة المطلقة بين الفن والحقيقة والجمال والخير..‏

يقول: "إني لا أعرف أن كنتُ وُلدتَ أصلاً... ولكن إذا كانت بصريانا قد ولدتْ فلابد أن أكون موجوداً.. واعجباً كيف أكون فيها ومسافراً إليها في حين".‏

الأمكنة تلهم الكتاب والشعراء شأنها شأن البشر أو أكثر قليلاً... فمثلما ألهمتْ قرية أركاتاكا غابرييل غارسيا ماركيز, ومثلما ألهمت داغستان رسول حمزاتوف... هي ذي البصرة, أو بصرياتا قد ألهمتْ محمد خضير كي يكتب "بصرياتا ـ صورة مدينة" التي عدّها الناقد شجاع العاني نصاً مفتوحاً...‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://garatees.yoo7.com
 
محمد خضير: مجنون الأبجدية وصانع الحكايات
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
قراطيس ادباء البصرة :: اقلام ثقافية :: منتدى قرأت لك-
انتقل الى: